اليوم كرة القدم... والحبل على الغارب - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


اليوم كرة القدم... والحبل على الغارب
وائل طربيه - 23\02\2008

ليس "الانتساب للدوري الإسرائيلي لكرة القدم" موضوعاً بسيطاً كما اعتقدت للوهلة الأولى، فقد ناقشته لأول مرة في جلسة مع الصديق نديم أيوب، ومع أننا لم نتوصل لقناعة مشتركة، إلا أن النقاش كلما تقدم كان يثير أسئلة جدية- تستوجب الوقوف عندها- أكثر مما كان يقدم أجوبة شافية من كلا الطرفين.

ولأبدأ من النهاية!!!

إذا قرر نادي مجدل شمس الرياضي، في نهاية الأمر، الإقدام على هذه الخطوة، لاسيما بعد الحصول على موافقة أهالي اللاعبين، فليس لأحد سلطة أو قدرة أو حق يخوله منعهم من تنفيذ قرارهم. ولكن يبقى لجميع أفراد المجتمع الحق في المناقشة والمحاججة والتعبير عن رأيهم في كل مسألة تلامس الحيِّز العام.

مبادرة الأخ نديم أيوب بنشر الموضوع للنقاش العام دليل على أن للأمر جوانب اجتماعية وسياسية تتعدى القرار الشخصي له وللنادي واللاعبين وذويهم، ودليل أيضاً على إحساسه العالي بالمسؤولية والذي يجب أن نقدره فيه.

أردت من هذه البداية القول أن نقاش هذه المسألة لا يتعدى حدود النقاش ذاته، لذلك أدعو الجميع للمساهمة في هذا النقاش بعقل بارد وبقبول حق الآخر بالاختلاف، بدون الإسفاف وكيل الاتهامات أو تسجيل المواقف والحكم على النوايا أو المزايدات، والبحث عن نقاط التقاطع أكثر من نقاط الاختلاف والتفكير الجاد بالمخارج والحلول الممكنة بعيداً عن الأحكام المسبقة وبعض المسلّمات التي آن أوان إعادة التفكير بها – ليس رغبة بالتفلسف وإنما بحكم معطيات الواقع التي لا يمكننا أن نتجاهلها والتي سيكون تأثيرها في صياغة مستقبلنا أكبر بكثير من تأثير "مواقفنا الثابتة"-. فبعد أسبوع أو شهر أو أكثر سننتهي من النقاش وربما سننساه، وستكون الكلمة الأخيرة للأمر الواقع، ثم سنبدأ من جديد في مكان آخر –غير كرة القدم- بذات الأسئلة وذات النقاشات وذات التقاذفات، ومرة ثانية ستكون الكلمة الأخيرة للأمر الواقع، ونحن نقف خارج تاريخنا متفرجين عاجزين عن المشاركة في صياغته.

الحراك الاجتماعي أعقد وأعمق من أن تفسره نظرية المؤامرة منفردة، حتى وإن كانت أحياناً فاعلة فيه، وسنظل يوماً بعد يوم نتفاجأ بما يخرج من جوف هذا الحراك ما لم نجرِ مراجعة شاملة.

أسوأ ما في الأمر أن جوهر المسألة لم يلقَ حتى الآن الاهتمام الذي يستحقه، وهو يتركز، كما أراه، في أمرين:
أولهما: أربع سنوات من العمل الجاد قام به نديم أيوب في تدريب وبناء هذا الفريق، مؤكداً على النواحي الأخلاقية والتربوية للرياضة، والتعامل مع كرة القدم ليس فقط كرياضة وإنما كرسالة اجتماعية وكحاضنة للجيل الشاب، وبعيداً عن الشعارات والتلقينات الأيديولوجية. وبغض النظر عن انتقادات البعض وملاحظاتهم، فإن هذه التجربة هي التي أنتجت هذا الفريق، ومتابعة هذه التجربة وتطويرها ودعمها مادياً وتوسيع كوادرها البشرية حتى تتمكن من متابعة العمل ومتابعة احتضان الأفواج القادمة وأعداد أكبر من اليافعين في محيط صحي من كل النواحي أهم بكثير، برأيي، من البحث عن كيفية الوصول بالفوج الأول- أي الفريق الحالي والمتميز- إلى اللعب في الدوري الإسرائيلي. وإذا حدث هذا الأمر، أي الانضمام للدوري الإسرائيلي فإن هذه التجربة التأسيسية ستكون يتيمة ولمرة واحدة. الرسالة الاجتماعية والتربوية للرياضة تكمن في المرحلة التأسيسية المحلية، وليس في مراحل الاحتراف. هذه الظاهرة التي تؤسس لحالة رياضية حضارية مؤهلة أن تعيد للرياضة مكانتها ودورها اللذين نتمناهما على عكس الصورة الفجة التي لازمت كرة القدم المحلية في السنوات الأخيرة.

وثانيهما: لقد مرَّ معظم من ناقش الموضوع على موقف الاتحاد الرياضي مروراً سريعاً على أهميته. فإحدى الأسباب الجوهرية التي دفعت بنديم أيوب للتفكير باللعب في الدوري الإسرائيلي، كما يقول، هي الأبواب الموصدة التي ووجه بها من قبل الاتحاد الرياضي، والذرائع التي، أقل ما يقال عنها أنها واهية، كعدم سماح دستور الاتحاد بوجود فريق خامس في مجدل شمس، تبدو كنكتة ممجوجة. لقد تم تعديل دستور الجمهورية العربية السورية في أقل من نصف ساعة لتوريث السلطة لرئيس الجمهورية الحالي، ويتعذر تعديل دستور الاتحاد الرياضي في مجدل شمس لاستيعاب فريق رياضي لديه150لاعباً ومتدرباً، والأهم من ذلك لديه الحق أسوة بباقي النوادي الرياضية، في الانضمام للاتحاد واللعب على أرضه وبين أهله. ومحاولة ابتزاز هذا الفريق الناشئ أو المماطلة في قبول عضويته للإتحاد لإرغام لاعبيه على حلّ أنفسهم والانضواء في باقي الأندية كان، كما يقول نديم أيوب ومن تعقيبات لاعبي الفريق، سبباً أساسياً للتفكير بالدوري الإسرائيلي. فإذا كان ترتيب البيت الداخلي أولى الأولويات، توجب على الاتحاد الرياضي أن يحتضن هذا الفريق بأسرع ما يمكن، ويمكنه، في نفس الوقت، أن يحارب نديم أيوب كما يشاء، ولكن لا يحق لأحد محاربة ونفي رياضيي مجدل شمس حتى يتوسلوا مباراة ودية من هذا وذاك. قد يكون هذا مدخلاً لحلحلة جزء من تعقيدات المسألة، ويجدر بنديم أيوب ولاعبيه، من جهة أخرى، عدم التنازل عن حقهم في عضوية الاتحاد الرياضي.

قد لا يكون دخول الدوري الإسرائيلي لكرة القدم كارثة تهدد الهوية والانتماء، ولا هي أكبر المصائب ولا آخرها. أكبر مصائبنا عجزنا عن إجراء مراجعة جريئة مع الذات ومع الآخر. أكبر مصائبنا صمتنا عن بضاعة فاسدة من الشعارات والخطابات وحفلات التهريج على الشريط الحدودي التي أدت فيما أدت إليه، إلى جعل الجيل الشاب يستخدم كلمة "الوطنية" مكان الشتيمة.

أعتقد أن كثيرين مثلي يتمنون لو تلقَّف الأخوة – دعاة مدِّ الجسور وربط الحاجات المطلبية لمواطني الجولان بمؤسسات الدولة الأم (مع عدم قناعتي بجدواها) أن يختبروا دعواهم مع هذه الحالة النموذجية التي تتطلب دعماً ورفداً حقيقيان من مؤسسات الوطن وتستجيب بامتياز لشعار "دعم نضال أهلنا في الأراضي المحتلة في الحفاظ على انتمائهم وهويتهم".

سيأتي يوم يقف فيه كل واحد منّا أمام مساءلة ذاته حول دوره ومسؤوليته الشخصية إزاء ما يحدث حوله وإزاء مستقبل أبنائه!! ويوم نعود أو نُعاد إلى متن الجغرافيا الوطنية لن يكون يوم استراحة المحارب والتمتع بهواء الحرية؛ بل ستغدو المسؤولية الشخصية إزاء كل الوطن أكبر وأخطر.

أتمنى أن تثبت الوقائع خطأ ما ذهبت إليه.

وائل طربيه

عقب على المادة

لا توجد تعقيبات حاليا